فصل: مسألة يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.كتاب النذور الثاني:

.مسألة حلف ألا يكلم فلانا فأشار إليه بالسلام أو غيره:

من سماع عيسي من كتاب أوله سلف دينارا مسألة وقال في رجل حلف ألا يكلم فلانا فأشار إليه بالسلام أو غيره، فقال: ما أرى الإشارة كلاما وأحب إلي ترك ذلك وكأنه لا يرى عليه حنثا إن فعل.
قال محمد بن أحمد: مثل هذا في المجموعة لابن القاسم وهو ظاهر ما في كتاب الإيلاء من المدونة وفي أول رسم من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق، وقال ابن الماجشون إنه حانث واحتج بقوله عز وجل: {قَالَ آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41]. فجعل الرمز كلاما لأنه استثناه من الكلام وليس ذلك بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء في الآية منفصلا غير متصل مقدرا بلكن، مثل قوله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92]، ومثل قوله: {طه- مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1- 2] {إِلا تَذْكِرَةً} [طه: 3] ومثل هذا كثير، ومثل قول ابن الماجشون لأصبغ في سماعه بعد هذا من هذا الكتاب، وجه القول الأول أن الكلام عند الناس فيما يعرفون إنما هو الإفهام بالنطق واللسان، فيحمل يمين الحالف على ذلك إذا عرت من نية أو بساط يدل على ما سواه، ووجه القول الثاني أن حقيقة الكلام والقول هو المعنى القائم في النفس، قال عز وجل: {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ} [المجادلة: 8]، الآية، وقال عز وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ} [الملك: 13]، الآية، فإذا أفهم الرجل الرجل ما في نفسه بلفظ أو إشارة فقد كلمه حقيقة لأنه أفهمه ما في نفسه من كلامه بداية دون واسطة من رسول أو كتاب والقول الأول أظهر لأن التكليم وإن كان يقع على ما سوى الإفهام باللسان فقد يعرف بالإفهام بالنطق باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل الكلام على ذلك وألا يحنث الحالف على ترك تكليم الرجل بما سواه إلا أن ينويه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين:

وسئل عن رجل حلف في دابة ألا يبيعها حتى تأكل الربيع فأكلته يوما أو يومين. قال: إن كان نوى شيئا فهو ما نوى وإن لم تكن له نية فإذا أكلته يوما أو يومين فقد بر ولا شيء عليه. قيل له: أرأيت إن كان أراد وجه السمن فلم تسمن ألذلك حد؟ قال: إلى ما يسمن في مثله.
قال محمد بن أحمد: قال إنه إذا لم تكن له نية فأكلته يوما أو يومين فقد بر، وإن أراد السمن في ذلك ما يسمن إلى مثله، وسكت عن البساط فلم يقل إن كان ليمينه بساط يدل على السمن حملت يمينه عليه فالظاهر من قوله أنه لم يراعه مثل ما في سماع سحنون لمالك وابن القاسم، والمشهور في المذهب مراعاته وأن يحمل يمينه عليه وإن لم يكن نواه كما لو نواه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا:

وقال في رجل حلف ألا يشرب الخمر بعينها فشرب الطلا أنه إن كان لم يبلغ حدا يسكر وكان كثيره يسكر فهو حانث؛ لأن الطلا أبدا خمر حتى يطبخ طبخا لا يسكر، وأما غيرها من الأشربة مثل النبيذ والاسكركة- كذا- فهو حانث إذا شرب منها شيئا يسكر إلا أن ينوي الخمر بعينها، فإن كانت تلك نيته وأتى مستفتيا فلا أرى عليه شيئا، وإن شهد عليه وقد شرب رأيت أن لا ينوى.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة على أصل مذهب مالك في أن كل ما أسكر كثيره من الأنبذة والأشربة فهو خمر، فالحالف على ألا يشرب الخمر بعينها حالف عنده ألا يشرب مسكرا من جميع الأشربة لأن كل مسكر فهو عنده خمر بعينه، وقوله: إلا أن ينوي الخمر بعينها فتكون له نيته إذا لم تكن عليه بينة وأتى مستفتيا معناه إلا أن ينوي الخمر بعينها عند أهل العراق والذين يقولون: إنما الخمر من العنب خاصة أو من العنب والتمر خاصة أو من التمر والعنب ونقيع الزبيب خاصة على اختلاف بينهم في ذلك، وفي رسم البز من سماع ابن القاسم من كتاب الحدود ورسم أسلم من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق أنه ينوى في ذلك مع قيام البينة عليه مراعاة لقول من يقول إن الخمر من هذه الأشياء، وذهب محمد بن المواز أنه لا ينوى وإن أتى مستفتيا، قال: ولو نفعته النية لنفعه قوله الخمر بعينها؛ لأن القول أقوى من النية وإلى هذا ذهب ابن حبيب فقال: إنه لا نية له في أن يقول إنما أردت العنب وحكاه عن مالك أيضا ابن أبي جعفر الذعاطي عن ابن القاسم عن مالك، وذلك خارج عن أصولهم فيمن حلف ألا يكلم فلانا فقال: أردت شهرا أو حلف ألا يلبس ثوبا فقال: أردت ثوب وشي أنه ينوى في ذلك إن أتى مستفتيا.

.مسألة حلف ألا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه شيئا فسألته امرأته أن يوليها إياه:

وقال فيمن حلف ألا يشتري لامرأته شيئا فاشترى لنفسه شيئا فسألته امرأته أن يوليها إياه، فقال: سمعت مالكا يستثقل أن يوليها، قال ابن القاسم: فإن فعل لم أر عليه حنثا لأن التولية هاهنا بيع إلا أن يكون ذلك عند مواجبة البيع وبحضرة البيع الأول فأراه حانثا لأن تباعته هاهنا على البائع الأول وكونه حينئذ اشترى لها، وكذلك سمعت مالكا يقول في التباعة.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول في هذه المسألة مستوفى في رسم تأخير صلاة العشاء من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته هنا.

.مسألة حلف ألا يكلم رجلا إلا ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس:

قال: ومن حلف ألا يكلم رجلا إلا ناسيا فكلمه وهو لا يعرفه غير ناس فهو حانث، ومن حلف بطلاق امرأته البتة إن كلم فلانا إلا أن لا يعرفه فكلمه وهو يعرفه ناسيا ليمينه حنث.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن يمين الرجل ألا يكلم رجلا ظاهره العموم في الزمان والمكان والعمد والنسيان والمعرفة بالمحلوف عليه والجهل به، فوجب أن يحمل يمينه على ما يقتضيه عموم لفظه ولا مخرج من ذلك إلا ما استثناه من النسيان أو الجهل خاصة.

.مسألة يحلف للرجل ليرضينه من حقه إما أن يحيله وإما أن يرهنه:

قال ابن القاسم في الرجل يحلف للرجل ليرضينه من حقه إما أن يحيله وإما أن يرهنه أو يقضيه بعضه أو يعطيه به حميلا فذلك له مخرج حقه كله، وأما إن أنظره فليس ذلك رضى، إنما يصير صاحب الحق هو أرضى الحالف ولم يرض الحالف صاحب الحق ليس من يحلف على الرضى يريد أن ينظره ولم يتعلق به لينظره وأراه حانثا إذا أنظره.
قال محمد بن أحمد: إنما يبر بالحوالة والحمالة والرهن وقضائه إياه بعض الحق بشرطين أحدهما أن يرضى بذلك الذي له الحق، والثاني أن يكون المحال عليه مليا أو الحميل فيه ثقة للمتحمل له والرهن فيه كفاف بجميع الحق أو بالثلث فما فوقه والذي قضاه من الحق الثلث فما فوقه، فإن عدم الشرطان جميعا حنث الحالف، وإن عدم الأول ووجد الثاني حنث الحالف إلا أن يدعي أنه نوى ذلك وأراده فينوى فيه إن أتى مستفتيا، وإن وجد الشرط الأول وعدم الثاني فلا يبر الحالف إلا على مذهب من يرى أنه يبر إذا أنظره صاحب الحق وهو قول مالك في رواية ابن وهب عنه وأحد قولي ابن القاسم، حكى ابن حبيب أن قوله اختلف في ذلك لا أنه إذا أحاله على مفلس أو أعطاه حميلا لا ثقة له فيه، وإن قضاه من حقه ما لا بال له أو رهنه رهنا لا قدر له فصاحب الحق هو الذي أرضى الحالف هذا الذي يأتي في هذه المسألة على أصولهم، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا:

وقال في الذي يحلف بالله أو بالطلاق أو غيره أن يصوم غدا فيصبح صائما ثم يأكل ناسيا لا شيء عليه.
قال محمد بن رشد: تكررت هذه المسألة في هذا السماع من كتاب الصيام وفي سماع عيسى وأبي زيد من كتاب الأيمان بالطلاق ورأيت لابن دحون فيها أنها مسألة حائلة والحنث يلزمه فيها على أصولهم فيمن حلف ألا يفعل شيئا ففعله ناسيا أو حلف أن يفعل شيئا فنسي فعله حتى فات وليس ذلك على ما قال بل هي مسألة صحيحة لأن الأكل ناسيا لا يخرج الحالف عن أن يكون صائما ولا يبطل به أجر صيامه، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا قضاء على من أكل في رمضان ناسيا، وروي «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للذي سأله عن ذلك: أتم صومك ولا شيء عليك الله أطعمك وسقاك»، فأكله ناسيا في ذلك اليوم بخلاف ما لو أصبح ناسيا مفطرا، هذا يلزمه الحنث على أصولهم، وبالله التوفيق.

.مسألة رجل قال علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به:

ومن كتاب أوله إن خرجت من هذه الدار إلى رأس الحول لدار يسكنها فامرأتي طالق:
مسألة وسئل عن رجل قال: علي نذر لا كفارة له إلا الوفاء به، قال: عليه كفارة يمين.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن من نذر نذرا لم يجعل له مخرجا فكفارته كفارة يمين، روي ذلك عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ من رواية عقبة بن عامر الجهني فالوفاء به هو كفارة يمين كما لو جعل له مخرجا كان ما سماه هو الوفاء به وهذا بين، وبالله التوفيق.

.مسألة حلفت بثلاثين نذرا مشيا إلى بيت الله فحنثت:

وسئل عن امرأة حلفت بثلاثين نذرا مشيا إلى بيت الله فحنثت، فأرادت أن تخرج تمشي وأراد زوجها حبسها، قال ابن القاسم: ليس لها أن تخرج ولزوجها أن يمنعها من ذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال لأنه إذا كان من حقه أن يمنعها من الخروج متطوعة كان له أن يمنعها من الخروج إذا نذرت ذلك لأنها متعدية عليه في أن نذرت ما ليس لها أن تفعله إلا بإذنه لتسقط بذلك حقه في منعها، والدليل على أن من حقه أن يمنعها، قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»؛ إذ لو لم يكن ذلك من حقه لما ندبه إلى فعله ولقال: ليس لكم أن تمنعوا إماء الله مساجد الله، ألا ترى أنك تقول لا تؤدب ابنك على ما جناه إذ له أن يؤدبه على جنايته، ولا تقول لا تؤدب أباك على جنايته إذ ليس له أن يؤدبه على ذلك وإنما تقول: ليس لك أن تؤدب أباك على جنايته وهذا بين.

.مسألة حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير:

وسئل عن رجل حلف على كراء له في منزله ألا يكريه له إلا بثمانية دنانير، فأراد أن يكريه نصف ذلك بأربعة دنانير هل ترى عليه حنثا، قال: لا حنث عليه، قيل له: فإن أكراه النصف بأدنى من أربعة دنانير قال: يحنث.
قال محمد بن أحمد: لا اختلاف في أنه لا حنث عليه إذا أكراه النصف بأربعة دنانير فأكثر، وأنه يحنث إذا أكراه النصف ابتداء بأقل من أربعة دنانير وإنما اختلف إذا أكرى النصف الثاني بتمام الثمانية وهو أقل من أربعة، فقال ابن القاسم في سماع أصبغ بعد هذا إنه حانث وفي الواضحة أنه لا حنث عليه وهو الأصح في النظر؛ لأنه قد استوفى في الكل ما حلف عليه.

.مسألة كان له عليه دينار فأراد أن يقضيه دراهم فحلف عليه ألا يأخذ منه دراهم:

وسألت ابن القاسم عن رجل كان له على رجل دينار فأراد أن يقضيه دراهم فحلف عليه ألا يأخذ منه دراهم فأحال رجلا بالدينار فتقاضى منه فيه دراهم هل عليه حنث؟ قال: لا حنث عليه.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال؛ لأنه إنما حلف ألا يأخذ منه دراهم فوجب ألا يكون عليه فيه حنث إذا أخذ غيره فيه دراهم من المحال عليه، ولو حلف ألا يأخذ في ديناره دراهم ولم يقل منه لوجب أن يحنث إن أخذ فيه دراهم من المحال عليه أو غيره؛ لأن يمين الحالف محمولة على مقتضى لفظه إذا عريت من نية تخالف اللفظ، وقد قيل: إنما تحمل على مقتضى اللفظ إذا عريت عن النية وعن البساط، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف قبل هذا وفي غيره من المواضع، وبالله التوفيق.

.مسألة يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر دينارا بحبتين حبتين:

ومن كتاب أوله أسلم وله بنون صغار:
مسألة قال: وسئل عن الرجل يحلف ألا يبيع سلعته إلا بثمانية عشر دينارا بحبتين حبتين فيبيعها بتسعة عشر دينارا بخروبة خروبة وهي أكثر في الوزن إذا جمعت مما حلف عليه، فقال: إن كان إنما حلف على الزيادة فلا شيء عليه وإن كان إنما حلف على الدنانير بأعيانها ألا يأخذها إلا بحبتين حبتين فهو حانث وإن لم تكن له نية فهو حانث.
قال محمد بن أحمد: معنى قوله بحبتين حبتين أي ينقصان حبتين حبتين من كل دينار، وكذلك معنى قوله بخروبة خروبة أي ينقصان خروبة خروبة من كل دينار والخروبة ثلاث حبات، ولا شك أن تسعة عشر دينارا ينقص كل دينار منها خروبة أكثر في الوزن من ثمانية عشر دينارا ينقص كل دينار منها حبتان، فإن كان ألا أرد بيع سلعته بأقل مما حلف عليه فلا حنث عليه لأنه إنما باع بأكثر، وإن كان أراد بيع سلعته بمثاقيل لا ينقص كل مثقال منها أكثر من حبتين فهو حانث لأنه قد باع بغير ما حلف عليه، وإن لم تكن له نية فهو حانث أيضا؛ لأن يمين الحالف إذا لم تكن له نية محمولة على مقتضى لفظه، وقيل: إذا لم تكن له نية ولا كان ليمينه بساط، وقد مضى هذا المعنى في رسم سلف وغيره.

.مسألة حلف ألا يسلف أحدا شيئا فاشترى سلعة فوجد بها عيبا فأراد ردها:

وسئل عمن حلف ألا يسلف أحدا شيئا فاشترى سلعة فوجد بها عيبا فأراد ردها فقال له البائع: أخرني بالثمن وأنا أقبل سلعتي، فقال له: لا يفعل فإن فعل حنث.
قال محمد بن أحمد: قول ابن القاسم إنه يحنث إن أخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة ويصدقه فيما يدعي من العيب فيسقط عنه بذلك ما يلزمه من الإثبات أو اليمين صحيح على أصله في أن ذلك جائز لأنه قد وجب له رد السلعة وأخذ الثمن معجلا فتأخيره به معروف منه صنعه به، فوجب أن يحنث بذلك لأنه في معنى السلف سواء، وإن كان ذلك لا يسمى سلفا وإنما يسمى إنظارا، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة أو بكل يوم مثله صدقة» على ما روي عنه من ذلك ولم يقل من السلف معسرا إذ لا يسمى سلفا إلا ما دفع عن ظهر يد، فلو ادعى الحالف أنه أراد بيمينه ألا يسلف أحدا سلفا عن ظهر يد لوجب أن ينوي وإن حضرته بينة فيما يقضى به عليه، ويأتي في هذه المسألة على القول بأنه لا يجوز أن يؤخره بالثمن على أن يقبل منه السلعة أنه لا يحنث بذلك إن فعله؛ لأنه ليس بسلف عن ظهر يد ولا في معنى السلف إذ لم يؤخره بالثمن إرادة الرفق به وإنما أخره عنه لما أسقط عنه مما كان يلزمه إياه بالحكم من إثبات العيب أو اليمين، فأشبه المبايعة وخرج عن حكم السلف، وهذا على ما في رسم البدع من سماع أشهب من كتاب المديان وعلى ما يدل عليه قول مالك في كتاب الصلح من المدونة خلاف قول ابن القاسم فيه، وهو أظهر لأن إثبات العيب أو اليمين ليس بلازم له في باطن الأمر وتكليف البائع إياه ذلك لا يحل له إن كان عالما بصدق ما يدعي، وسيأتي في رسم من باع شاة مسألة من حلف ألا يسلف رجلا فأنظره بحق كان له عليه.

.مسألة حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يحج عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة:

وسئل عن رجل حضرته الوفاة فأوصى إلى ابنه أن يمشي عنه لنذر كان عليه وابنه صرورة، فخرج ماشيا عن أبيه وهو ينوي بحجه حجة الإسلام وحجة نذر أبيه، فقال: قال مالك: الحجة جائزة عنه لحجة الإسلام، وليس المشي عن أبيه بشيء لأنه لا يمشي أحد عن أحد.
قال محمد بن أحمد: قد مضى القول في هذه المسألة في كتاب الحج في رسم تسلف، وفي رسم باع غلاما، ورسم ليرفعن أمرا إلى السلطان من سماع ابن القاسم، وفي سماع سحنون منه أيضا، فلا معنى لإعادة شيء من ذلك لاكتفاء من أراد الوقوف عليه بما هنالك إن شاء الله وبه التوفيق.

.مسألة يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره:

وسئل ابن القاسم عن الرجل يحلف على غريم له أن لا يؤخره فيريد أن يتحول بالحق على غيره من أهل الملا قال: إن فعل فهو حانث.
قال محمد بن أحمد: حنثه في هذه المسألة بما ظهر إليه من معنى أنه أراد أن لا يؤخره وأن يأخذ حقه منه فحنثه بالإحالة إن لم يأخذ حقه منه ولو حمل يمينه على ما يقضيه لفظه كما فعل في أول مسألة من هذا الرسم وفي آخر مسألة من الرسم الذي قبله لما حنثه إذ لم يؤخره إلا أن ينوي أن يأخذ حقه منه فذلك العارض من قوله فقف عليه وبالله التوفيق.

.مسألة قال عليه المشي إلى بيت الله إن لم يصنع له شيئا فصنعه له آخر:

وسئل عن رجل جاء إلى صناع ليصنع له شيئا في بيته فقال الصناع: إني لأستحيي أن آخذ في هذا شيئا، فقال الذي جاء: عليه المشي إلى بيت الله إن لم يعطه، فجاء إلى منزله فإذا بصناع آخر يصنع ذلك الشيء أو أدخله هو بعد أن جاء وانصرف هذا المحلوف، قال: إن كان هو الذي أبى أن يعمل ورجع من غير أن يرده عن ذلك العمل فلا حنث عليه، وإن كان الذي جاء به هو رده ولم يتركه يعمل فليعطه وإلا حنث، قال ابن القاسم: إن كانت له نية في الذي أدخل مثل أن يقول: إنما أردت إن لم يكن له عمل فكانت تلك نيته فلا أرى عليه شيئا، وإن لم تكن له نية رأيته حانثا إن لم يعطه.
قال محمد بن أحمد: المعنى في هذه المسألة بيّن؛ لأن وجه يمينه أن يعطيه إن مضى وعمل، فإذا أبى أن يعمل لم يكن له عليه حنث إن لم يعطه، وإذا منعه هو من العمل وجب أن يعطيه وإلا حنث؛ لأنه كان يعمل لولا منعه هو إياه عن العمل، فكأنه قد عمل؛ إذ هو مغلوب على ترك العمل إلا أن يكون أراد ألا يعطيه إن لم يكن له عمل، وإن منعه هو عن العمل فتكون له نيته ولا يكون عليه حنث إذا منعه عن العمل ولم يعطه، هذا معنى قوله وهو صحيح إن شاء الله.

.مسألة قال علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك بالعبد الذي لي عندك:

ومن كتاب العشور:
مسألة وقال في رجل اشترى عبدا من رجل بعشرة دنانير ووجب البيع بينهما وللمشتري على البائع دينار فدفع إليه المشتري تسعة دنانير، وقال: لي عليك دينار فهذه عشرة دنانير، فقال البائع: علي المشي إلى بيت الله إن قاصصتك به، وقال الآخر: هو حر في العبد إن أخذته منك إلا مقاصة، قال ابن القاسم: إن اختصما حنث أحدهما وقضي عليه وهو البائع الذي عليه المشي إلى الكعبة، وإن تتاركا البيع جميعا برضى منهما وإن لم يختصما فلا حنث على واحد منهما.
قال محمد بن أحمد: قد اختلف فيمن حلف ألا يفعل فعلا فقضى عليه السلطان به، فقيل: إنه يحنث وهو قول مالك في آخر سماع أشهب من كتاب الأيمان بالطلاق ودليل ما في كتاب التخير والتمليك من المدونة وقول ابن القاسم في الواضحة وعليه يأتي قوله في هذه المسألة، وقال ابن الماجشون: لا حنث عليه إلا أن يريد ولا بسلطان أو يحلف بحضرة السلطان فيتبين أنه أراد مغالبته، وأما قوله: إنه يقضي على البائع بالمقاصة فهو على المشهور في المذهب من وجوب الحكم بها، وقد روى زياد عن مالك أنه لا يحكم بها ومثله في كتاب الصرف من المدونة خلاف ما في كتاب النكاح الثاني والسلم الثاني والوكالات منها، وقد اختلف على القول بوجوب المقاصة إذا اشترى منه على ألا يقاصه، فقيل: الشرط باطل ويحكم عليه بالمقاصة وهو قول مالك في سماع أشهب من كتاب المديان، وقيل: الشرط عامل وهو قول ابن كنانة وابن القاسم في المدنية، وقد تأولت مسألة كتاب الصرف من المدونة على هذا لأن الصرف لما كان على المتاجرة فكأنها شرطا ترك المقاصة، وتعليله يرد هذا التأويل فيها، وقيل: إن البيع فاسد إذا كان الذين حالا؛ لأنه إذا شرط ترك المقاصة فكأنه شرط أن يؤخره بالدين فيدخله البيع والسلف، روي ذلك عن ابن القاسم وقال أصبغ: هو خفيف إذا لم يضرب للدين أجلا ولم يشترط أن يقضيه ذلك اليوم، وبالله التوفيق.

.مسألة قال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك:

ومن كتاب أوله جاع فباع امرأته:
مسألة وسئل عن رجل تعلق به غريمه فلط به وسأله حميلا أن يوافيه دار القاضي فقال الحلال عليه حرام إن غبت عن دار القاضي حتى أعطيك حقك أو يفصل بيننا القاضي، قال: فاختلف أبدا كل يوم إلى دار القاضي في حين يختلف الناس إلا أن توفيه حقه فلا يكون عليك شيء، قال: فإن وضع عني؟ قال: إن وضع عنك حنث، قيل له: فإن غاب الذي له الحق؟ قال: احضر أنت، فإن غاب ليس عليك شيء.
قال محمد بن أحمد: قوله في الذي يحلف ألا يغيب عن دار القاضي إنه ليس عليه ألا يغيب عن دار القاضي أبدا وإنما عليه ألا يغيب عنه في حين اختلاف الناس إليه، نحوه في سماع أصبغ، وهو صحيح؛ لأن الأيمان إنما تحمل على ما يُعرف من مقاصد الناس بها ولا تحمل على مقتضى ألفاظها إذا تبين أن المقصد خلافها، فقد يكون المقصد متيقنا معلوما فلا يختلف في وجوب الاعتبار به كنحو هذه المسألة؛ إذ قد علم أن الحالف لم يرد أن يلازم دار القاضي ليلا ونهارا؛ إذ قد علم أنه لابد له من مفارقته لما لابد له من حاجة الإنسان والوضوء والصلاة فيحمل يمينه على أنه إنما أراد ألا يفارق دار القاضي في الأحايين التي يقضي فيها بين الناس وينتفع المحلوف له بموافاته إياه فيها، ومثل هذا أن يذكر رجل بقلة الجماع فيحلف إذا بلغه ذلك أنه لا ينزل عن بطن امرأته وما أشبه ذلك كثير، والأصل فيه قائم من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عَلَيْهِ السَّلَامُ قال عز وجل: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الزمر: 15] وقال: {وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64]، وقال: {إِنَّكَ لأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87]، فهم من هذا كله ضد ظاهر لفظه، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» يفهم من ذلك وصفه بكثرة وقوع الضرب منه، وقد يكون المقصد مظنونا فيختلف في وجوب الاعتبار به، كمن حلف ألا يأكل بيضا فأكل بيض السمك أو حلف ألا يدخل بيتا فدخل المسجد وما أشبه ذلك، وأما قوله: إن وضع عنه حنث فصحيح على ما في المدونة وغيرها من أن من حلف ليقضين حقه لا تخرجه الهبة والصدقة من يمينه، وبالله التوفيق.

.مسألة حلف من أهل البادية لا يجاور رجلا أسماه:

ومن كتاب النسمة:
مسألة وسئل عن رجل حلف من أهل البادية لا يجاور رجلا أسماه، فكم ترى له أن يتباعد عنه حتى لا يكون له جارا؟ قال: يخرج من تلك البادية إلى بادية أخرى إلا أن يكون نوى شيئا فيحمل بما أنواه، قال ابن القاسم: يذهب عنه في مثل ما يكون من تباعد أهل البادية حتى لا يكونا جارين.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال إنه إذا لم يكن له نية فيبعد عنه إلى أن يفارق المعنى الذي حلف من أجله، فإن كان معه في قرية واحدة خرج عنه إلى قرية أخرى، وإن لم يكن معه في قرية واحدة أبعد عنه إلى حيث لا يجتمع معه في مسقى ولا محطب ولا مسرح، وكذلك إن حلف الرجل ألا يجاور رجلا وهو معه ساكن في ربض واحد انتقل عنه إلى ربض آخر حيث لا يجتمعان للصلاة في مسجد واحد، وإن لم يكن معه في ربض واحد ولا حيث يجمعهما مسجد واحد فلا يبر إلا بالخروج عن المدينة كلها؛ لأن أهل المدينة الواحدة متجاورون. قال عز وجل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60]، إلى قوله: {لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 60].

.مسألة قال لرجل والله لا أكلمك غدا والله لا أكلمك بعد غد:

وقال ابن القاسم في رجل قال لرجل: والله لا أكلمك غدا والله لا أكلمك بعد غد، قال: عليه كفارتان إن كلمه غدا وبعد غد، وإن كلمه غدا وكف عنه بعد غد فكفارة واحدة، وإن كف عنه غدا وكلمه بعد غد فكفارة واحدة.
قال محمد بن أحمد: وهذا كما قال لأن تكليمه في غد غير تكليمه في بعد غد فهو كالحالف على فعلين مختلفين بيمين على كل واحد منهما يجب عليه في فعلهما جميعا كفارتان، وفي فعل أحدهما دون الآخر كفارة، بخلاف إذا جمعهما جميعا في يمين واحدة وهذا ما لا أعرف فيه اختلافا.

.مسألة قال والله لا أبيعك ثوبي ثم قال لآخر والله لا أبيعكما فباعهما جميعا:

وقال مالك: إذا قال رجل لرجل: والله لا أبيعك ثوبي أنت ثم قال لآخر: والله لا أبيعكما فباعهما جميعا فقال مالك: عليه كفارة إن باع أحدهما وإن باعهما جميعا كفارتان.
قال محمد بن أحمد: هذه مسألة صحيحة وقياسها قياس الذي قبلها لأنه أفرد أحد الرجلين باليمين عليه أن لا يبيع منه، ثم جمعه مع غيره في يمين أخرى فصار حالفا على أحدهما ألا يبيع منه بيمين واحدة وعلى الثاني ألا يبيع منه بيمينين، فإن باعهما جميعا وجب كفارتان إذ ليس في اليمين المؤكدة إلا كفارة واحدة، وكذلك إن باع أحدهما لم يجب عليه إلا كفارة واحدة كان الذي حلف عليه يمينا واحدة أو الذي حلف عليه يمينين إذ لا يجب في اليمين المؤكدة بتكرار اليمين إلا كفارة واحدة وبالله التوفيق.

.مسألة حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره فأراد أن يؤخره:

ومن كتاب الرهون وعن رجل حلف ليقضين غريمه حقه إلى شهر إلا أن يؤخره، فأراد أن يؤخره، قال: إن أراد أن يؤخره فليشهد على ذلك لئلا ينازع بعد ذلك فيقول لم أؤخره ولا يجد على ذلك بينة أنه أخره.
قال محمد بن أحمد: إنما يجب عليه أن يشهد إذا كانت يمينه بطلاق أو عتاق أو ما أشبه ذلك مما يقضى به عليه؛ لأنه إن لم يشهد على تأخيره إياه فحل الشهر ولم يقضه قضي عليه بالعتق أو الطلاق ولم يصدق فيما يدعيه من تأخيره إياه، ولو كانت بما لا يقضى به عليه لم يحتج إلى إشهاد لأن ذلك فيما بينه وبين الله فهو موكول إلى أمانته.

.مسألة يمين المتطوع لغيره باليمين دون أن يستحلفه:

وعن رجلين ابني رجل اسم أحدهما عبد الله بن عمر والآخر سعيد بن عمر، فسأل عبد الله بن عمر رجلا يطلب له إلى بعض الناس حاجة واستكتمه عبد الله بن عمر ذلك ففعل، فعلم به رجل آخر وقال: أطلبت لابن عمر إلى فلان؟ فقال: امرأته طالق البتة إن كنت طلبت لابن عمر إلى فلان، يريد بقوله ذلك سعيد بن عمر وقد كان طلب لعبد الله بن عمر، فجاء الرجل مستفتيا يستهل بذلك وعليه شهود شهدوا عليه أنك أخبرتنا أنك مشيت مع ابن عمر قبل أن تحلف في حاجته، فقال الرجل: إنما مشيت مع ابن عمر في حاجة أريد بذلك عبد الله بن عمر ومعه مشيت، وإنما كانت يميني بالطلاق أني لم أمش مع ابن عمر أريد بذلك سعيد بن عمر، فقال أرى أن يدين في ذلك ويجعل إلى نيته، وأرجو ألا يكون هذا بالحنث وأراه بمنزلة رجل من الناس ليس بأخيه ليس بابني رجل واحد هذا رجل من العرب فواطأ اسمه اسم هذا الرجل واسم أبيه، وذلك الذي نوى حين حلف وخرجت يمينه على علم منه بما حلف عليه فإني أرى أن يدين في ذلك ويستحلف كانت عليه بينة أو لم تكن.
قال محمد بن أحمد: قوله كانت عليه بينة أو لم تكن معناه إذا طلب باليمين فأقر بها إذ لا تأثير للبينة عليه مع الإقرار، ولو أنكر أن يكون حلف فلما قامت عليه البينة باليمين ادعى النية لم يصدق فيها ولم يقبل منه يمين، ولو أتى مستفتيا غير مطلوب لصدق فيما زعم أنه نواه دون يمين، وقال ابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز: لا يعجبني قول مالك في هذه ألا يحنث وقد سمعت من مالك فيما يشبهه أنه حانث، وإن كان قاله فلعله قد رجع عنه، قال ابن ميسر: الأول أجود وهذا الاختلاف على اختلافهم في يمين المتطوع لغيره باليمين دون أن يستحلفه هل يكون على نيته أو على نية المحلوف له، فالأكثر على أنها على نية الحالف، وهو قوله في هذه الرواية، وقد قيل: إنها على نية المحلوف له وهو قول ابن القاسم في رسم أوصى قبل هذا وفي سماع يحيى من كتاب الأيمان بالطلاق، وقول أصبغ في سماعه بعد هذا، وعلى هذا يأتي ما لابن القاسم في المجموعة وكتاب ابن المواز في هذه المسألة، وقد مضى تحصيل الاختلاف في هذا المعنى في رسم شك في طوافه من سماع ابن القاسم وبالله التوفيق.